الزراعة المستدامة وإعمار الأرض

الزراعة الصديقة للبيئة وللانسان

إعداد: م. رؤيا وصفي

إذا خيرت بطعام مجاني لمدة أسبوع أو لمدة سنة، ماذا سيكون خيارك؟ أظن أن خيارك سيكون طعام مجاني لمدة سنة، فنحن كطبيعة بشرية نفضل الكثرة والسهولة.

الاستدامة وكيف نوظفها في الزراعة ؟ وما هي مبادئها وأساسياتها؟ وكيف نستطيع تصميم نظام بيئي مستدام؟

من أين يأتي هذا الطعام الذي نأكله كل يوم؟

الطعام والغذاء الذي يتم إنتاجه كل يوم ما هو إلا نتيجة الزراعة الأحادية (هي زراعة وإنتاج وتنمية محصول واحد في مساحة واسعة من الأرض أو لسنوات متتالية) أو الاستعانة بالمواد الكيميائية  لمضاعفة الإنتاج لتلبية الطلب وزيادة الأرباح مع تجاهل التلوث والأضرار التي تصيب التربة، والتي تؤثر على التغير المناخي والبيئة من حولنا.

والاستدامة تعني الشيء المستمر على مدى فترة من الزمن، وهي مفهوم عالمي يرتكز على ثلاث أبعاد وهي: البعد البيئي ، البعد الاقتصادي، والبعد الاجتماعي. حيث تندرج الزراعة المستدامة  تحت البعد البيئي، فالزراعة المستدامة هي تصميم نظام بيئي بحيث يتم تحقيق الفائدة من كل العناصر المتوفرة في هذه البيئة، حيث اتباع تقاليد الطبيعة والتعلم منها أثناء الزراعة.

ما هو المبدأ الرئيسي حسب رائك والذي تحث عليه الزراعة المستدامة: انه هو المشاركة في الموارد لا المنافسة، على عكس ما يحدث الآن في هذا العالم القائم على المنافسة والاستهلاك واستغلال أي عنصر موجود في الطبيعة دون الاهتمام بباقي العوامل، فعلى سبيل المثال هناك الكثير من المصانع التي تهتم بكفية تصنيع المنتج وكفائته بغض النظر عن التكاليف البيئية التي ستترتب لاحقا، وكأن هذا البشري لا يعي أن هذه الأرض منبع حياته التي يعيش.

جوهر الزراعة المستدامة

  1. الأرض: أهم عنصر ومورد اساسي للإنتاج، فإن العمل بنظام الزراعة المستدامة يحافظ على خصوبة التربة وإنتاجيتها واستدامتها في المستقبل.
  2. الإنسان: الغذاء الصحي للإنسان يتم توفيرة من نظام الزراعة المستدامة ومن خلال الزراعة الطبيعية دون مدخلات كيماوية.
  3. الطاقة: يعتمد نظام الزراعة المستدامة على تدوير الطاقة اللازمة للإنتاج الزراعي. طاقة الشمس يجري استغلالها من قبل عناصر مختلفة في هذا النظام.

أساسيات الزراعة المستدامة:

تخصيب التربة لتكون جيدة يحتاج الى العديد من السنوات، والهدف حتى تتكون الخصوبة يتم نتيجة للتفاعلات المختلفة للصخور تحت ظروف الحرارة والماء والعوامل البيلوجية، باللإضافة إلى تحلل البقايا النباتية والحيوانية، وما يحدث اليوم من كثرة المواد الكيميائية المستخدمة لزيادة الإنتاجية لن تنتج فقط ثمارا مليئة بالمواد الكيميائية بل أيضا ستسبب أضرارا شديدة للتربة.

من العناصر المهمة يوجد الخندق الترابي ويلعب دور أساسي في حفظ التربة، وهو قناة كنتورية يجري تصميمها بأبعاد محددة وبميل مستوي، يحددها كل من طبيعة المنطقة، الميل، عمق التربة السطحية، ومعدل الأمطار وشدتها.

الفرش الطبيعي (الملش) هو العنصر الثاني للحفاظ على التربة، الذي يتمثل بتغطية التربة بالمخلفات النباتية فهي تحمي التربة من الانجراف وتحفظ الرطوبة وتشجع نمو الأحياء الدقيقة مما يعمل على تحسين خصوبة التربة، ومن الأمثلة على الفرش الطبيعية: أوراق الأشجار، الأعشاب، بقايا المحاصيل الزراعية، والقش الجاف.

استخدام الزراعة المختلطة يساهم في حماية النظام الطبيعي وهو من العناصر الأساسية في الزراعة المستدامة، أي زراعة أكثر من صنف بجانب بعض، فعند اختيار المحاصيل التي ستزرعها عليك اختيار نباتات يستفيد بعضها من بعض، وفيما يلي بعض الأمثلة:

الذرة واللوبيا والكوسا: بفضل الكوسا حيث انها تمنع نمو الأعشاب الضارة وتخفف من تبخر المياه في التربة لأنها تمتد على الأرض، أما اللوبياء فتؤمّن غذاء الأزوت للمزروعات الأخرى فهي تثبت الأزوت من الهواء، والذرة تؤمّن ظلا للكوسا.

الخس والفجل: لديهما ميزة فهما يستهلكان الغذاء والماء من مستويات مختلفة داخل التربة، فالخس جذوره سطحية أما الفجل فجذوره عميقة.

في الزراعة المستدامة من المهم جدا استخدام تقنيات الحصاد المائي، فأبسط هذه التقنيات على مستوى المنزل، تجميع الماء من السطح، وإقامة بركة لتخزين المياه لاستعمالها لأغراض الري.

تصميم نظام زراعة مستدامة

علينا  أولا عند البدء بتصميم نظام زراعة مستدامة: دراسة العوامل المؤثرة على التصميم من حيث الأهداف والاحتياجات، فطبيعة الموقع الجغرافي وخواص التربة والنباتات المحلية في البيئة، ثانيا: تصميم النظام والذي يعتمد عليه جمع المعلومات وتحليل العناصر الموجودة في الموقع والحصول على الخرائط الكنتورية وتحديد ميل الأرض والاتجاه، ثالثا: إنشاء القطاعات وهولُب التصميم.

القطاعات في الزراعة المستدامة

نظام الزراعة المستدامة يوزع على عدة قطاعات إنتاجية، ويعتمد عدد هذه القطاعات وطبيعة تكوينها على مساحة وطبيعة المنطقة والهدف والحاجة من إقامة المزرعة، وبشكل عام يشمل النظام أربعة قطاعات تتميز بتنوع الإنتاج الزراعي لمواكبة الاحتياجات المختلفة وهي:

القطاع الأول: الحديقة المنزلية المكثفة

في المنطقة حول المنزل تقام الحديقة المكثفة ويتم فيها زراعة النباتات التي توفر المنتجات الزراعية الرئيسية للمنزل وإضافة بعض العناصر المرافقة التي تؤدي مهام أخرى ضرورية.

الخضراوات الموسمية من النباتات التي يمكن زراعتها في الحديقة النباتية، النباتات الطبية والعطرية مثل: الزعتر والبابونج واليانسون والحصلبان والمرمية، وأشجار الفاكهة قليلة الكثافة مثل: اللوزيات والليمون، وأخيرا نباتات الزينة مثل: الورود والحوليات واللافندر.

تشمل الحديقة المنزلية على بعض العناصر المهمة والجمالية المرافقة كالطيور والحيوانات الداجنة الصغيرة مثل: الدجاج والحمام والبط والأغنام.

القطاع الثاني: قطاع أشجار الفاكهة

وهي منطقة تشمل على على أشجار فاكهة باسلوب زراعة مكثقة منوعة مثل اللوزيات، الحمضيات، التوت، التين، العنب وغيرها، وأيضا يحتوي هذا القطاع على محصول خضار إنتاجي رئيسي مثل: البندورة والخيار والفلفل، المهم أن تزرع الخضار بشكل متداخل لتقليل الإصابة بالآفات الزراعية، ويمكن أن يحتوي هذا القطاع على محاصيل الحبوب مثل: القمح، والبقوليات مثل: الحمص.

القطاع الثالث: يسمى بقطاع الثروة الحيوانية والمراعي:

ويشمل هذا القطاع محاصيل المراعي مثل: البرسيم، وذلك لتوفير غذاء حيوانات المزرعة، ويتم زراعة هذه المحاصيل بناء على كمية المياه المتوفرة، ويتم في هذا القطاع تربية الحيوانات بشكل أوسع على شكل قطعان وتشمل الأبقار والأغنام والطيور، ويجب وضع الحيوانات في أماكن محددة من المزرعة والسماح لها بالرعي لفترات محددة في مناطق الأعلاف على فترات متقطعة حفاظا على الغطاء النباتي، ويمكن أن نزرع نباتات تعمل عمل مصدات رياح في هذا القطاع إذا كنا بحاجة لها.

القطاع الرابع: يسمى بقطاع الحياة البرية والغابات:

قطاع تتركز فيه أشجار الحراج والغابات في المنطقة وهو شبه بري، يمتلك المنافع المختلفة مع السماح بتربية الحيوانات البرية في القطاع ويمكن تربية النحل في هذا القطاع.

توزيع القطاعات الأربعة:
يتم التوزيع والتحكم بمساحتها تبعا لطبيعة المنطقة والمساحة المتاحة والاحتياجات المختلفة، فتنطبق القطاعات الأربعة فقط على المساحات والمزارع الكبيرة التي تصل مساحتها إلى أربع دونمات على الأقل، وهذا لا يعني أننا لا نستطيع تصميم نظام زراعة مستدامة في المساحات الصغيرة، فيمكن تغيير عدد القطاعات أو دمج قطاع مع آخر، ويمكننا إقامة المزرعة بقطاعين رئيسين مثل قطاع الحديقة المنزلية المكثفة وقطاع أشجار الفاكهة بالإضافة للمراعي.

تحقيق التكافل المجتمعي بين الناس هو الشئ الجميل في الزراعة المستدامة، حيث سيتبع الإنسان تقليد الطبيعة مما سيولد تصاميم مختلفة باختلاف المكان والزمان، فلو بدأنا بتجميع المياه من المنزل والعناية بالحديقة المنزلية وتطبيق بعض أساسيات الزراعة المستدامة كالزراعة المختلطة والاستفادة من كل عنصر موجود بطريقة تكافلية، ونتبادل فيما بيننا بالحي أو المناطق المجاورة إنتاجاتنا الغذائية، وبذلك يتحقق التكافل المجتمعي، ونستعيض عن بعض ما تنتجه الأسواق.

من خلال التفاعل لجميع المعاني الاقتصادية والاجتماعية والبيئية يمكننا ان ندعوها بالزراعة المستدامة، لكي تحقق الجانب الحقيقي من إعمار الأرض واستجابة لمبدأ تكريم الإنسان.

إعداد: م. رؤيا وصفي

المصدر
www.wikipedia.orgBill Mollison,permaculture book.دليل الزراعة المستدامة، إعداد م.محمد عايش، م.مجدي العدوان.دليل الزراعة المستدامة للمزارع، أماني داغر وريتا الخوند.كتاب الزراعة المستدامة للأراضي الجافة والمروية، أ.د حامد صعيدي.permaculturenews
Exit mobile version